*الحقيقةُ المنسيَّة بينَ الفِطرةِ والمِثالية*

*الحقيقةُ المنسيَّة بينَ الفِطرةِ والمِثالية*

 

 

لطالما أرهق المثاليّونَ الناسَ بهتانًا رغم تبنّي الدينِ صراحةً للسماحةِ علىٰ أُسُسٍ إنسانيةٍ طبيعيةٍ تفترضُ شرعية الحرية الشخصية وأهمية التعلم عن طريق التجربة المفتوحة كما أقسم بها الرسول بصريح العبارة قائلًا: *”والذي نفسي بيدهِ لو لم تُذنِبُوا لَذَهَبَ اللهُ بكم وَلَجَاءَ بقومٍ غيركم يُذنبونَ فيستغفرونَ اللهَ فيغفِر لهم”.*

 

أجل أيها الإنسان، لقد اقتضت حكمةُ اللهِ أن تسيرَ علىٰ فِطرتكَ الطبيعيةِ والمنطقيةِ بخوض التجارب بالحرية لا الجبرية، وعلىٰ استحالةِ العِصمة التي يدفعونك لها وهم أبعد عنها مما يزعمون، وعلىٰ استكمال النقص من خلال الاستزادة بالتجريب، والاستفادة الشخصية من الخطايا والذنوب والتقصير التي لا مفرَّ منها والتي لا يتحقق بدونها التفهُّم والتطوُّر والتقدُّم والنضوج الفكري والنفسي والعاطفيّ والحسِّي والمعنوي. إلّا أنَّ دعاة المثالية المتضاربة مع حقيقة الدين والطبيعة يُغفِلون تعسُّفًا هذا الجوهر المهم بزعمهم أنهم يخشون على الناس من الهلاكِ بالخطيئة وكأنهم أغيرُ على الدين من مُنزِلِهِ وأحرصُ علىٰ المصلحةِ من مُشَرِّعِها وأفهمُ بالناس من خالقهم ورسوله الذي صرَّح بها دون توريةٍ ولا إبهام لما في ذلك من ضرورة العِلمِ بها وتعليمها.

 

وها هو الشخص الذي يسعىٰ لتحقيق المثالية ساقطًا رغم مثالياته إما في انحطاط اليأس في ظل استحالتها وإما في انحطاط الانخداع بوَهْمِ تحقيقها.

 

بينما يحيا المُعافَىٰ من مطاردة سراب المثالية ومن وباء الاغترار بظواهرها الخادعة، فيخوضُ بعفويّتهِ التجاربَ ليخطئ فيزداد معرفةً ويقصّر ليتواضع ويتضرر لينتفع ويغامر ليكتشف، كل ذلك من واقع توطيد المخابر لا تقليد المظاهر وما لأحدٍ عليه في ذلك من سبيلٍ ولا سلطانٍ إلّا بنُصح الإنسان وعهد السلطان وهدي البيان. تلك هي سنّة الله في الكون وعليها جُبِلَ المخلوق في نقصه وضعفه وتكوينه وغرائزه، وبحسب ما اقتضته مشيئة خالقه وحكمته ورحمته. وإلّا فما  الرحمة لولا الخطأ،  وما المغفرة لولا الذنوب؟ وما الخِبرةُ لولا التجربة؟ ولو كان غير ذلك، أفلم يكنِ الخالقُ قادرًا علىٰ تمكين الإنسان من تحقيق العصمة وتجريده من النقصان؟ كلّا بل *”لو لم تذنبوا لذهب الله بكم”.* كلّا بل  *”دعوني وعبادي، لو خلقتموهم لرحمتموهم”.* كلّا بل *”أهلُ مَعَصِيَتِيْ لَاْ أُقَنِطُهُم مِنْ رَحَمَتِيْ، إِن تَاْبُوا فَأنًاْ حَبِيبُهُم، وِإن لَمْ يَتُوبُوا فَأَنَا طَبِيُبُهم.”* فما أبلغها من تعاليمٍ تؤكِّد انفراد الخالق وحده بحق الألوهية علىٰ خلقه، و علىٰ حصرية علاقة العبد بربه، بعيدًا عن مشيئة الناس ورضاهم الذي ذلَّ من يطلبه وضلَّ من يحققه. إنما الدين هو الحق! الحق الذي لا يتنافىٰ مع حقيقة الفطرة الكونية. وأما المثالية فما هي إلّا افتراءٌ على الدين الحق.

 

وتبقىٰ ضلالةُ المثاليةِ ذاتِها هِيَ من أكبرِ الدلائلِ علىٰ صحة ضِدِّها، إذ تشكِّلُ هِيَ بحدِّ ذاتِها حـُجَّةً قائمةً ضِدَّ دعاتها وإثباتًا ثابتًا علىٰ نقصِهِم وكفىٰ بِهِم علىٰ بُطلانِها دليلا.

About tootruetobetoogood

Multi-talented artist, occasional writer, bi-lingual poet, music addict & an obsessive thinker. In short, I am a fugitive from the law of averages.
This entry was posted in Uncategorized. Bookmark the permalink.

1 Response to *الحقيقةُ المنسيَّة بينَ الفِطرةِ والمِثالية*

  1. If only I could read this? Lol

Leave a comment